الحراك الشعبي في لبنان والعراق، إلى أين؟

September 2nd 2015 | كتبها

البناء

أرجو أن تسمح لي هيئة تحرير “البناء” بإعادة نشر هذه المادة التي نُشرت في 17 آذار عام 2011 في سياق تقييم ما يسمى “الربيع العربي” ومحاولة وضع مقياس للحكم عليه في بداياته، وأعيد تقديمها اليوم كإسهام في النقاش الدائر حول مآل الحراك الشعبي في لبنان والعراق خلال الأسابيع الأخيرة:

ثمة ألم في مشهد استئناف ضخ الغاز المصري – بعد الثورة – للكيان الصهيوني، وثمة خلل في حراكٍ سياسيٍ يقوم في هذا الجزء من العالم، بين الخليج العربي والمحيط الأطلسي، لا يشخص عدوه الرئيسي باعتباره الطرف الأمريكي-الصهيوني ومن يتحالف معه. وثمة مشكلة في برنامج سياسي لا ينطلق من أن التناقض الرئيسي في وطننا العربي هو بين الإمبريالية والشرائح الاجتماعية والقوى السياسية والنخب الثقافية المرتبطة بها من جهة، وبين أوسع جماهير الشعب العربي من جهة أخرى. وعندما يغيب مثل هذا التشخيص عن حراك وخطاب ومسار العمل السياسي، فإنه يصبح مفتوحاً لكافة احتمالات الانحراف والاختراق والاحتواء بأثر رجعي، حتى لو بدأنا من فرضية النقاء السياسي المقترن بنقص الوعي وقلة التنظيم.

خلال الأسابيع الماضية لاحظنا أن المطالب الرئيسية للحراك السياسي في الشارع في دول عربية مختلفة تركزت إما على فئة الإصلاح الدستوري والديموقراطي، أو على فئة القضايا الاقتصادية والمطلبية، وأن ملف العلاقة مع الطرف الأمريكي-الصهيوني اتخذ موقعاً خلفياً عندما تم التطرق إليه أصلاً. ولو أخذنا مصر نموذجاً، لوجدنا أن معاهدة كامب ديفيد لم تنل حظها من الاهتمام من قبل قيادات التحرك الشعبي والشبابي، وكان من المستغرب خلال الأسابيع التي فقدت فيها الأجهزة الأمنية السيطرة على الشارع، وألقى الشعب بملايينه المظفرة في الميدان، أن لا يتم العمل على اقتلاع السفارة الصهيونية في القاهرة اقتلاعاً، وأن لا يتم تسيير التظاهرات المليونية باتجاهها على الأقل..!

ما يصح على مصر ينطبق طبعاً على الحراك السياسي في تونس، وعلى بقية الدول العربية التي قام فيها حراك مثل الأردن واليمن والبحرين وغيره. فلو قامت مثل هذه التظاهرات في الخمسينيات والستينيات، لتوجه بعضها على الأقل نحو السفارات الغربية التي تدعم دولها أنظمة التجزئة والحكام الذين يثور الشعب عن وجه حق ضدهم، وهو ما لم يحدث خلال الأسابيع الماضية، وقلما سمعنا هتافاً للوحدة، مع أن الثورة هي في الواقع ضد أنظمة التجزئة، ومع أن الفشل والفساد والاستبداد هو لأنظمة التجزئة القطرية، ومع أن تفاعل الشعب العربي مع ما جرى في تونس ومصر وقف شاهداً على وحدة الوجدان العربي، ولو أن ذلك لم يرتقِ لطرح شعار أو برنامج وحدوي أو مناهض علناً لارتباط الحكام والأنظمة بالطرف الأمريكي-الصهيوني وقوى الهيمنة الخارجية.

أليس من الطبيعي إذن، بعد كل هذا، أن يُطرح المطلب الجزئي والمحدود الدستوري أو الاقتصادي في سياقه الوطني والقومي؟! فإذا لم يطرح هذا المطلب الديموقراطي والاقتصادي ضمن سياق التناقض مع الإمبريالية والصهيونية، يصبح من السهل تحويل الحراك الشعبي نحو مسارات آمنة، قابلة للاستيعاب، إن لم نقل قابلة للإجهاض، لا تهدد منظومة التبعية للإمبريالية.

النقد هنا على مسار الحراك ومآله، حرصاً على إيصاله إلى نتيجة مفيدة، ولكي لا يشعر من بذلوا التضحيات بعد أشهرٍ أو أعوامٍ أنهم نالوا أقل مما يستحقون، ولكي لا يسود الإحباط بعدما تضع ثوراتنا أوزارها. ولذلك يجب أن نركز أن التغيير الحقيقي في مصر عنوانه إسقاط معاهدة كامب ديفيد، وان التغيير الحقيقي في الأردن عنوانه إسقاط معاهدة وادي عربة، وأن التغيير الحقيقي في فلسطين عنوانه إسقاط اتفاقية أوسلو وأخواتها (وليس شعار إنهاء الانقسام)، وأن تلك المعاهدات نهج داخلي وخارجي ينبع من رحم الأنظمة، وأن التغيير الحقيقي في الوطن العربي عنوانه إسقاط التبعية لقوى الهيمنة الخارجية، وان كل المطالب الديموقراطية والمعيشية يجب أن تقاس بمسطرة التناقض مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، وأن ذلك التناقض هو الأساس، وأن الباقي مهم، ولكنه يبقى إما نوافل أو مداخل للتناقض الأساس.

أما خارج سياق التناقض الأساسي، فإن حراكنا الديموقراطي قد يصبح ثورة ملونة، على نمط ثورات أوروبا الشرقية، يسر حكومات حلف الناتو أن تتبناها، وحقوقنا المعيشية قد تصبح ملهاة تنسينا التناقض الرئيسي. ويصبح من السهل على البعض أن يتصور أن التغيير يمكن أن يجري بدعم وتمويل من الخارج، عبر منظمات التمويل الأجنبي وبرامجها “الديموقراطية” أو عبر الدعم الاستخباري، أو عبر التحالف العسكري والأمني المباشر مع الإمبريالية وأداتها العسكرية حلف الناتو، وملحقها مجلس التعاون الخليجي، كما جرى في ليبيا ويجري حالياً في سورية.

كما أننا إذا نسينا التناقض الرئيسي لا نعود قادرين على التفريق بين ثورة وثورة مضادة. فالأولى تحقق سيادة الشعب على أرضه وفي وطنه، ولا يمكن أن تهادن أعداء الوطن، أما الثانية فتعمق التبعية للخارج خلف لعبة تغيير الوجوه، وترتبط بالخارج تحت عناوين براقة مثل “الديموقراطية” و”حقوق الإنسان”، وهو الأمر الذي ما برح ينبه إليه الكتاب الروس والصينيون والأمريكيون اللاتينيون في تناولهم للحراك الشعبي العربي خلال الأسابيع الأخيرة، وهو أيضاً ما يدفع تلك القوى الدولية الممانعة أو المعادية للهيمنة الإمبريالية للتصدي للتدخل الأجنبي في ليبيا مثلاً.

ونحن لا نستطيع أن نفصل المطلب الديموقراطي والاقتصادي عن مطلب التحرر الوطني، ولا أن نفصل وعي الحرية في الداخل عن وعي الحرية في الخارج، لأننا لا نستطيع فصل الفساد والاستبداد عن التبعية والتجزئة.

(واليوم، لا يزال على الحراك الشعبي في العراق ولبنان أن يجيب على الكثير من الاسئلة المفصلية قبل أن نندفع لتأييده، بالأخص بعد مضي أربع سنوات على “الربيع” المدمر، فليس من الحكمة أن يلدغ المؤمن بالثورات الشعبية من جحرٍ واحدٍ مرتين..)

إبراهيم علوش

البناء 2 أيلول 2015

http://www.al-binaa.com/?article=66239

للمشاركة على فيسبوك:

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1175519065798660&id=100000217333066&pnref=story

الموضوعات المرتبطة

اليمن وغزة يشتعلان، وعين ترامب ونتنياهو على إيران

  إبراهيم علوش – الميادين نت   يشكل تصعيد العدوان الأمريكي على اليمن لغزاً حتى بالنسبة إلى المراقبين الأمريكيين، إذ يستخدم الرئيس ترامب الأدوات العسكرية المكلفة ذاتها في مواجهة حركة [...]

ماذا تعني دعوة القوى الدولية لـ”حماية الأقليات” السورية؟

إبراهيم علوش – الميادين نت كفى بالمرء دليلاً على وجود نخبة عالمية متنفذة تُؤرجِحُ خيوط المشهد من خلف الستائر ومن أمامها أن يتزايدَ الانفتاحُ، دولياً وعربياً وإسلامياً، على النظام الجديد [...]

هل طوفان الأقصى “مؤامرة” على محور المقاومة؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت على ضفتي سنة 2000، احتدم جدال في الساحة الفلسطينية، وبين المعنيين بالشأن الفلسطيني، بشأن العمليات الاستشهادية التي أثخنت الكيان الصهيوني رعباً وقتلى وجرحى.  [...]

ترامب يجابه الدولة العميقة على صعيدي المساعدات الخارجية وأوكرانيا

  إبراهيم علوش – الميادين نت لأن أي تحول جوهري في بنية المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة، وبالتالي في توجهاتها، تنعكس ظلاله بالضرورة على مصفوفة العلاقات الدولية، وبالتالي على مسار [...]

هل يصمد وقف إطلاق النار في غزة؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت كان لافتاً ضغط ترامب على نتنياهو للقبول باتفاق وقف إطلاق نار في غزة.  بات واضحاً أنه الاتفاق ذاته الذي عملت إدارة بايدن على صياغته في أيار / مايو الفائت، [...]
2025 الصوت العربي الحر.