جردة سياسية سريعة لمجزرة أسطول الحرية

June 3rd 2010 | كتبها

 

 

د. إبراهيم علوش

 

السبيل، 3/6/2010

 

بعدما تهدأ زوبعة الأحداث المتلاحقة، تبقى العبرة، كل العبرة، بالتغيير الذي تحدثه في التضاريس السياسية وميزان القوى على الأرض. 

 

ثمة إيجابيات كبيرة لما جرى بالتأكيد.  ويمكن الجزم، بالحد الأدنى، أن كل عمل ملموس أو موقف حقيقي لكسر حصار غزة هو أمرٌ إيجابي، وكذلك تفعيلٍ حالة الاشتباك مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، بغض النظر عن النتائج الميدانية تقريباً… ولعل أهم ما ينتجه ارتفاع وتيرة الصراع هو تحريك الشارع العربي وتعبئته، لأن الشارع، وما ينتجه نضالياً وجهادياً، يبقى في النهاية بيت القصيد.

 

فالتضامن الدولي مع غزة رائع، والمتضامنون الأجانب على متن أسطول الحرية أكثر من رائعين، وانكشاف همجية الكيان الصهيوني وإحراج العدو أمام قطاعات عالمية متزايدة إنجازٌ رائعٌ يجب أن نعتز به وننميه… لكن تلك نوافل! فمعركة الأمة الفاصلة مع الطرف الأمريكي-الصهيوني لن يخوضها الرأي العام العالمي بالنيابة عنا في النهاية، ولن تُحسم في المحافل أو المحاكم الدولية وما شابه. 

 

على العكس، ما كان العدو لأن يرتكب جرائمه الحالية والسابقة لولا اطمئنانه لميلان ميزان القوى لمصلحته في تلك المحافل ابتداءً، وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، كما رأينا من البيان الرئاسي لمجلس الأمن الدولي في 1/6/2010 حول مجزرة أسطول الحرية، وهو بيان، للتذكير فقط، لم يرفع حصاراً عن غزة، ولم يدن الكيان الصهيوني، ولم يفرض عقوبات، ولم يدعُ حتى لتحقيق بإشرافه، ولم… ولم… ولم…  وهذا يعني أن القرار الدولي برأ الكيان من جريمته فعلياً، بغض النظر عن الدعوات الجانبية لرفع الحصار عن غزة التي تطلقها بعض القوى الأوروبية لتبرئ ذمتها، أو لتسجيل بضع نقاط إعلامية لدى العرب.

 

بالرغم من ذلك، ثمة إنجازات سياسية حقيقية، على رأسها انخراط أخوتنا في الخليج العربي والمغرب العربي في معركة رفع الحصار عن غزة، سواء عبر المشاركة بأسطول الحرية أو سياسياً، فتحية لهم، حتى لا يقول المغرضون أن العرب غابوا عن هذه المعركة. 

 

انخراط الكويتيين بالذات أسهم باستعادة الجمهور الكويتي لساحة الصراع مع أعداء الأمة، الأمر الذي توجه مجلس النواب الكويتي بإنجاز سياسي رائع حقاً، وملموس، هو سحب الكويت من مبادرة الشؤم العربية.  ونلاحظ، على سبيل المقارنة، أن الحراك الشعبي المواكب للعدوان على غزة في بداية عام 2009 أنتج بدوره إنجازات سياسية ملموسة مثل قطع موريتانيا لعلاقاتها الديبلوماسية مع العدو الصهيوني، وكذلك قطر. 

 

على صعيدٍ أخر، أسهب المعلقون والكتاب في التعريض بالمقاييس المزدوجة، وبالتذكير بتشدد “المجتمع الدولي” مع حالتي سفينة الأكيلي لورو والقراصنة الصوماليين الخ… مقابل تساهله الظاهر مع الانتهاكات الصهيونية للقانون الدولي…  لكننا لم نسمع أو نشاهد من يجرؤ على الإعلان أن أكاذيب المخرقة اليهودية ما برحت تلعب دوراً رئيسياً في جعل الرأي العام الدولي أكثر تساهلاً في التعاطي مع “إسرائيل” والحركة الصهيونية العالمية.  فالمخرقة، كأكبر جريمة وأخطر حدث في التاريخ البشري برمته، على ما زعموا، تبقى الحاجز الزجاجي السميك، وغير المرئي، الذي يصطدم به الساعون لإدانة الكيان الصهيوني على جرائمه.  وبدون تكسير هذا الحاجز، بالدحض والتفنيد، ستبقى العقوبات والإدانات للكيان الصهيوني مخففة، لو افترضنا جدلاً أنه أدين وعوقب يوماً، وسيبقى تعاطفٌ كامنٌ مع اليهود حتى بين من يدينون مجزرة أسطول الحرية.

 

أخيراً، السياسة التركية أحرجت الأنظمة العربية بالتأكيد، وكان من ثمار المبادرة التركية فعلياً إنجاز فتح معبر رفح، ولو مؤقتاً.  لكن دعونا لا نرضى بالقليل، مما لا نرضى به من الأنظمة العربية نفسها، ومما لا ترضى به قواعد حزب العدالة والتنمية في تركيا… فالقافلة سيِّرت لغزة فيما كان يفترض أن تجري مناورات عسكرية تركية مع العدو الصهيوني، ومباريات رياضية، وبينما التبادل التجاري على قدمٍ وساق.  باختصار، يجب أن ندفع كحد أدنى باتجاه قطع العلاقات التركية-الصهيونية تماماً كما ندفع لقطع العلاقات العربية-الصهيونية، وبنفس التشدد، لنبقى منسجمين مع أنفسنا على الأقل.   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

   

الموضوعات المرتبطة

هل تنجح إجراءات ترامب في إبعاد الاقتصاد الأمريكي عن حافة الهاوية؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت حذّر آخر تقرير لصندوق النقد الدولي من أن جولات رفع الرسوم الجمركية التي أطلق دونالد ترامب العنان لها أحدثت "صدمة سلبية كبرى" في الاقتصاد العالمي، وأن تصاعد [...]

سياسة رفع الرسوم الجمركية والردّة الجديدة على آدم سميث

  إبراهيم علوش – الميادين نت على هامش حملات رفع الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس ترامب، تهز عاصفة هوجاء أركان كليات الاقتصاد في الجامعات الغربية.  فما كاد أنصار المدرسة النيوكلاسيكية [...]

قراءة في العقل السياسي لدونالد ترامب واليمين الشعبوي

  إبراهيم علوش – الميادين نت في مستهل الألفية الثالثة، راحت العولمة، كظاهرة طاغية، تفرض وجودها في كل مناحي الحياة فعلياً.  وانزلق كثيرون ممن انكبوا على تحليلها إلى اختزالها في بعدٍ أحادي، [...]

قراءة في أبعاد اللعبة الدولية من سورية إلى أوكرانيا

  إبراهيم علوش – الميادين نت تداول محللون كثر، بعيد الانهيار الكبير في سورية، فكرة إجراء روسيا مقايضة بين أوكرانيا وسورية تتخلى بموجبها عن دعم الثانية في مقابل تسوية بشروطها في الأولى.  [...]

اليمن وغزة يشتعلان، وعين ترامب ونتنياهو على إيران

  إبراهيم علوش – الميادين نت   يشكل تصعيد العدوان الأمريكي على اليمن لغزاً حتى بالنسبة إلى المراقبين الأمريكيين، إذ يستخدم الرئيس ترامب الأدوات العسكرية المكلفة ذاتها في مواجهة حركة [...]
2025 الصوت العربي الحر.